الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

ليس كل من فعلها مختل عقليا ( تقييم القدرة العقلية للاشخاص )



كثرت في العقود الاخيرة ادعاءات البعض بالخلل العقلي للتهرب من جرائم معينة ، او وصم اخرين بالسفه و الخلل العقلي للاستفادة من ذلك في تبرير التحكم فيهم و الحجر علي اموالهم او افعالهم ، او في بعض القضايا العامة لتبرير فعلة احدهم لجريمة شنعاء .
ان تقييم القدرة العقلية و مسئولية الشخص عن قراراته اصبح له اهمية كبيرة ليس فقط  في القضايا و الجرائم التي يجب ان نعرف فيها مدي مسئولية الجاني عن افعاله ، و لكن ايضا لحفاظ علي حقوق الاشخاص . فليس كل مريض نفسي او عقلي ليس له القدرة علي اتخاذ قرارت او منتهي المسئولية ، و ربما ايضا كان لبعض المرضي  القدرة  العقلية و المسئولية في كل الوقت او بعض الوقت من حياتهم ، فعلينا تحديد ذلك ايضا للحفاظ علي حقوقهم و حقوق الاخرين . و لما له من ابعاد من تحديد قدرة الشخص في ادارة حياته الاجتماعية من زواج او رعاية نفسه او ادارة امواله مثلا . كما ان  تحديد القدرة العقلية للاشخاص مهم  في اتخاذ قرارات لبعض المرضي غير النفسيين في حالات الغيبوبة او توهان الوعي لاسباب عضوية  او في حالات الطواريء  علي مستوي الموافقة علي علاج او جراحة معينة  .
القدرة العقلية : هي قدرة الشخص علي اتخاذ قرارت و مسئوليته عنها ، و معرفة عواقبها الاجتماعية و القانونية ، فربما كانت قرارات خاطئة او مصيبة و لكن اتخاذه لها مسئول عنها و تؤثر في قبول العلاج الطبي مثلا او رفضه او اكتساب او فقدان فائدة مالبة او اجتماعية و يشمل ذلك مثلا الزواج و الطلاق و التجارة و العمل و الوصايا القانونية .
الكفاءة العقلية : هو التعريف القانوني للقدرة العقلية و يتناول مدي حرية الشخص لاتخاذ القرار دون اسباب مرضية او اكراه خارجي .

عند التعامل مع اي شخص لابد من الافتراض ابتداءا انه يملك قدراته العقلية ، فليس كل ما هو غريب في شخص او بالنسبة لثقافتنا او مجتمعنا او مخالف له في العقيدة او الدين اوالافكار و الاتجاهات السياسية او التصرفات او الافكار او المظهر ، يدل علي عدم القدرة علي اتخاذ القرار و المسئولية عنه ، فلا يمكن الحكم علي شخص بالسفه و عدم القدرة لمجرد شذوذه عن القاعدة .  بل اكثر من ذلك اننا نري اشخاص يقومون بقرارات تتميز بالخطورة علي حياتهم او الاخرين ، مثل الجرائم او الانتحار او الرياضات الخطيرة ، و لكن في النهاية هذا هو قراره و مسئول عنه و عن عواقبه  ، و نخلص من ذلك ان ان الفعل او المظهر فقط ، مهما كان ليس دليل علي عدم قدرة الشخص او مسئوليته عن قراره او قدرته العقلية .

اذا ما هي الاشياء التي تدل علي اختلال القدرة و الكفاءة العقلية :
اولا : لابد من وجود خلل او اضطراب في الاداء العقلي ( مثل الاعاقة العقلية في القدرات العقلية و التخلف العقلي  او عته و خرف الشيخوخة او ضعف الادراك و الانتباه او التركيز او القدرات العقلية الاخري مثل الحساب و التفهم و الاستنتاج او وجود مرض عقلي ) ، و ليس مجرد وجود ما ذكرنا من اضطرابات دليل علي فقدان القدرة و الكفاءة العقلية بل لابد ان تصل للحد و الشدة ان تمنع الشخص من اتخاذ قرار معين . فمثلا خرف الشيخوخة و عته الشخوخة في درجاته الاولي من المرض يمكن للشخص اتخاذ قرارات الوصايا القانونية للاهل او غيرهم رغم انه يوجد تاثير بسيط علي ذاكرته ، و لكن مع تطورالمرض و اشتداده ربما لا يستطيع نفس الشخص اتخاذ قرار دخوله الحمام وحده او رعاية نفسه في حياته اليومية .
و علي هذا لتناول مدي قدرات و كفاءتهالعقليه لابد ان يعاني من اضطراب في عقله او مخه و ان يكون شدة هذا الخلل مرتبطة بعدم قدرته علي اتخاذ قرار معين  و بالتبعية مسئوليته عنه.

ثانيا : بمجرد ان يكتشف الطبيب النفسي الشرعي ضعف في الاداء العقلي ، يجب ان عليه ان يفكر في احتمالية تأثير ذلك علي قدرات و كفاءة المريض العقلية . و ربط مدي شدة وتطور الحالة النفسية او العقلية او الاعراض التي يعاني منها المريض مع القدرة علي اتخاذ قرار معين . فمثلا الذهان او الفصام من الاضطرابات العقلية التي تصيب الافكار و ينتج عنها اعراض تهيؤات و هلاوس ، و رغم هذا نجد ان ليس كل المصابين بهم فاقدي القدرة علي اتخاذ قرار و فقدان المسئولية عنه ، و ربما في نفس المريض لاختلاف شدة مرضه من وقت لاخر كان مسئولا و قادرا علي اتخاذ قرار او لا . فربما كانت حالة الفصام في وقت ما من حياة المريض شديدة و تمنعه من اتخاذ قرار العلاج او التجارة مع اخرين او اتخاذ قرارات اجتاعية مثل الزواج او الطلاق ، و ربما في نفس الشخص عند تحسنه يمكنه ذلك. و بالطبع بالنسبة لارتكاب الجرائم و المسئولية عنها ، لان الجريمة فيها قرار و قصد ، ايضا ليس مجرد ان مرتكب الجريمة مريض عقلي دليل علي انه لم يتخذ قرار الجريمة . فمثلا قد نجد مريض عقليا يعتقد انه اله و له قدرات الهية و قد يرتكب هذا المريض جريمة سرقة عادية ليس لها علاقة بتهيؤاته او هلاوسه المرضية ، فهو يعتبر مسئولا عن جريمته ، و يتم تقييم حالته اذا ما كان مسئوليته كاملة او جزئية في لحظة الجريمة حسب تقييم قدراته العقلية وقتها . و بالطبع مثل هذا التقييم يفيد القضاء للحكم علي المريض.

ثالثا : القدرة او الكفاءة العقلية هي قدرة علي اتخاذ قرار معين و ليس كل القرارات ، فربما كان المرض او الحالة تمنع  شخص ما من اتخاذ قرار الرزواج او التجارة مع الاخرين و لكن تسمح له بقبول او رفض علاجه و مكان علاجه . ففقدان القدرة العقلية مرتبط بتقيمنا لقدرات المريض علي اتخاذ قرار معين و ليس عدم القدرة علي الاطلاق . فمثلا في بعض المرضي يكون لديهم من الاكتئاب الشديد لرفض العلاج و منهم من يكون محتاجا لعلاج دوائي مثل مرضي الغسيل الكلوي ، و عند تقييم احد المرضي وجد ان اكتئابه يدفعه انتحارا لرفض العلاج مما يؤثر علي قدراته في اتخاذ القرار ، و لكن نفس هذا المريض عند تقييمه لادارة حياته المالية و الاجتماعية كان في حالة جيدة و كفء رغم اكتئابه الشديد . الخلاصة انه يجب علي الطبيب النفسي الشرعي في مثل هذه الحالات التاكد بمدي ارتباط القدرة  الكفاءة العقلية مع القرار المعين الذي يقيم قدرات الشخص عنه ، و ل يكون الامر عام فيفقد الشخص القدرة علي اتخاذ القرار و يتم الحجر عليه لانه فقط لا يستطيع اتخاذ قرارات اخري بسبب حالته المرضية او العقلية .

رابعا : لتبين قدرة شخص علي اتخاذ قرار معين من عدمه ، اي ان لديه القدرة و الكفاءة العقلية من عدمها ، لابد من تبين هذا في شكل اختبارات اكلينيكية و نفسية مقننة مع المريض . و كذلك لابد ان يعرض علي الشخص الامر الذي سيقرر الامر فيه بطريقة مبسطة في شكل اسئلة يمكن يختار فيها  بين البدائل المختلفة  و الاثار المترتبة عليها ، مع اظهار كل المعلومات الخاصة بالموضوع المرتبط بالاقرار .
بالطبع لابد ان يتم تقييم الشخص بصورة و اليات قانونية ، فلا تكون تطوعا او وديا باستدعاء الاهل مثلا ولكن باستدعاء القضاء للحكم علي قدرات المريض و كفاءته العقلية في موقف معين ، او في اطار القانون الطبي لاتخاذ قرار علاجي في حالات الطواريء . و يتم هذا لحماية الشخص موضع التقييم و تعرضه لاقل الخسائر في حالة ثبوت عدم قدرته العقلية و كذلك لحماية القرار الطبي النفسي  من استغلال اخرين.

خامسا : في تقييم القدرات و الكفاءة العقلية للشخص علي اتخاذ قرار معين سابق او حالي او مستقبلي ، يقوم الطبيب النفسي الشرعي بجمع معلومات نفسية و اجتماعية عن الشخص موضع الفحص و عن القرار المطلوب اتخاذه لمناقشته مع المريض . و يقوم بفحص المريض نفسيا و خاصة للقدرات المعرفية ( من قدرة علي الفهم و الذاكرة و الحساب و الفهم التجريدي و الحكم علي الامور و الانتباه و التركيز ) ، و كما قلنا التشخيصات النفسية و الاعراض المرتبطة بالقرار و اتخاذه و المسئولية عنه .
يقوم الطبيب النفسي الشرعي بتجميع و توثيق ادلته مع اجراء الاختبارات المساعدة مثل الاختبارات النفسية و درجة الذكاء و رسم المخ و الاشعة المقطعية و الحالة الجسمانية العامة ، و يكر ر تقييم المريض لمتابعة القدرات العقلية و فقدانها او استردادها .
فمثلا عند تقييم مريض و اكتشاف ان قدراته العقليه تمنعه من ادارة امواله يتم  التوصية بانه لا يستطيع ادارة امواله لفترة حسب مرضه و حدته و تشخيصه و يحدد له ميعاد اخر لتقييمه لمتابعة مدي ثبات حالته و تمديد القرار الطبي السابق ، فالقرار بعدم القدرة العقلية لا يستخدم علي اطلاق الوقت و يكون فقط لقرار معين .

سادسا : في كل الاحوال  ، افتراضا في بداية التقييم ،  اي شخص يكون له القدرة و الكفاءة العقلية التي تمنكنه من اتخاذ قرارات و المسئولية عنها . و لا يمكن ان يفقد هذه القدرة بدون ظهور اضطرابات او اختلال في العقل او المخ ، نفسي او عقلي او اصابة مباشرة للمخ ووظائفه كالجلطات المخية او النزيف و غيره . كذلك لايمكن مناقشه ان الشخص لديه مشكلة في مسئولية او اتخاذ قرار اذا لم يكن هناك قرار مطلوب اتخاذه ، فلا يوجد حجر مادي او كلي علي شخص استباقا للمستقبل ، انه سيمرض فيما بعد او ان حالته ستدهور .
عند تقييم القدرة و الكفاءة العقلية لابد من تحديد لاي شيء ، اي المطلوب ان يتم التقييم لادارة اموالة او رعاية نفسه او جريمة ارتكبها او لاتخاذه قرار علاجي . و لا يكون الامر في التقييم عام و لكن لابد من تحديد القرار او المسئولية المطلوب تقييم الشخص فيها .
قلة الذكاء او عدم الاستيعاب السريع ليس مبرر فقط  ليكون الشخص فاقدرا لقدراته العقلية بل يجب عرض القرار و تبعاته بصورة مبسطة علي الشخص ، و يمكن عندها الحكم علي الامر من قدراته او عدمه .
الشذوذ عن المالوف في المظهر او الدين او العقيدة  او السلوك لا يعني ان الشخص فاقد لقدراته العقلية و لا بد لتقييمه بطريقة طبية سليمة بدون انطباعات خارجية  فقط .
التقييم لمثل هذه الحالات تكون تحت مظلة قانونية بامر قضائي ، فلا تتم تطوعا ، او تكون في اطار القانون الطبي للتعامل مع مرضي الطواريء.


للحجز بالعيادة
01224126363
24508919
د/ احمد البحيري
استشاري الطب النفسي
56
شارع رمسيس - متفرع من بطرس غالي - روكسي - مصر الجديدة - القاهرة


DUNN, L. B., NOWRANGI, M. A., PALMER, B.W., et al (2006) Assessing decisional capacity: a review of instruments. American Journal of Psychiatry,163, 1323– 1334
JESTE, D.V. & SAKS, E. S. (2006) Decisional capacity in mental illness and substance use disorders: empirical database and policy implications.Behavioral Sciences and Law24, 607– 628.
KIM, Y. H., KARLAWISH, J.H.T. & CAINE, E. D. (2002) Current state of research on decision-making competence of cognitively impaired elderly persons. American Journal of Geriatric Psychiatry10, 151– 1


للحجز بالعيادة
01224126363
24508919
د/ احمد البحيري
استشاري الطب النفسي
56
شارع رمسيس - متفرع من بطرس غالي - روكسي - مصر الجديدة - القاهرة